المهندس نبيل نايف صبح، من مواليد مدينة نابلس 1982م، بدأت الدراسة الابتدائية في المملكة العربية السعودية، وأنهيتها في مدرسة ابن الهيثم بنابلس، لأنتقل إلى الصفوف الثانوية في مدرسة نابلس الثانوية الصناعية وأتخرج من قسم البناء والمساحة في سنة 2000م وبمعدل 89.3%.
بدأ طموحي الأول في نهاية الصف العاشر بإكمال دراستي في مجال الهندسة المدنية، فكان ذلك الطموح بداية أول خط أرسمه للصورة المستقبلية لحياتي الخاصة وأبرز أحلام عائلتي المتواضعة آنذاك في رؤيتي كأول مهندس في العائلة.
من هذا المنطلق، بدأ مشوار التحدي، فحياة الشاب الفلسطيني لا تكاد تخلو من الصعوبات والتحديات التي تعيق شق مسيرته في تحقيق أحلامه الخاصة وأحلام من حوله، فكان التحدي الأبرز في إمكانية إكمال دراستي في الجامعة، وكما يقول المثل ((الرائحة ولا العدم))، قررت وبمشورة الأهل تحقيق شيء من حلمي، فالتحقت بمدرسة نابلس الصناعية الثانوية وبمجال البناء والمساحة، حتى أبدأ مشوار حياتي المهني –فيما لا قدر الله- باستحالة التحاقي بالهندسة المدنية، واستطعت بفضل الله التميز في المرحلة الثانوية وفي مجال البناء والمساحة، لتشكل لدي خبرة نظرية وعملية ساهمت بشكل كبير في الإصرار على تحقيق الحلم ودخول قسم الهندسة المدنية وبحوزتي عشق الهندسة المدنية والتشييد والبناء.
وعندما أنهيت المرحلة الثانوية، وتحديداً في نهاية تموز 2000م، ومكافأة لما حققته، كانت المكافأة الأبرز هي تلك العائلية بتشجيعهم واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس لأتمكن من الالتحاق بكلية الهندسة، وهنا أصبح التحدي أكبر فأكبر، فكانت العقبة الأولى هو عدم تمكني من التحاقي ببرنامج الهندسة كبقية الطلاب-أقصد الدراسة العادية وليس الموازية- وذلك كون أن سياسة الجامعة كانت تتطلب معدلاً لا يقل عن 91% لطلبة الثانوية الصناعية، فبدأ الإحباط يطل علي بكل قواه، ولكن برز الأمل من جديد، فجاء الخبر من بيتنا بتحمل العائلة جميع التكاليف مهما كانت، فعائلتي لم تدخر جهداً وإلا بذلته لتحقيق الحلم المشترك، فالمشوار صعب، والتكلفة باهظة والتضحية واجبة، خاصة بعد دخول انتفاضة الأقصى عالمنا ومدننا وبيوتنا، وأصبح العمل والجد والكد هو على رأس أولويات حياة العائلة لتوفير القسط الجامعي الباهظ، فكان لا بد من إثبات جدارتي لأستحق ما قدمته العائلة إلي، فأصبحت أكد وأجتهد في الدراسة قدر المستطاع، إلى أن حققت أول الحلم، وهو دخولي وتخصصي في برنامج الهندسة المدنية ولا شيء غيرها.
في حينها بدأت أتذوق حلاوة المشوار رغم كثرة المر الذي يحيط بي، فالوضع الأمني في البلد كان حرجاً، وصعوبة توفير القسط الجامعي أكثر حرجاً، ولكن كما يقال:اشتدي يا أزمة تنفرجي، فعندها بدأت الجامعة بمنح طلابها قروضاً ومنحاً تعين الطلاب على توفير الأقساط وإكمال فصولهم الدراسية بشكل منتظم، حتى تحت الحصار والوضع الأمني البائس خاصة بعد العام 2002.
وبفضل الله، ثم بفضل تضحيات الطلاب والطاقم التدريسي والإداري بالجامعة، استطاع الجميع إكمال المسيرة التعليمية رغم كل الصعاب، لتكون النتيجة قطف ثمار التعليم، واكتساب المهارات العلمية والنظرية وشيء من العملية بفضل طاقم الهندسة التدريسي ذو الكفاءة العالية، علاوة على الأخلاق الذاتية والمهنية، ليساهم بشكل كبير في صقل شخصية هندسية مؤهلة لتطبيق ما تعلمته في الواقع العملي.
وعندما تمت الفرحة بتخرجي في العام 2005م وبعدل 79.1%، دخلت تلك الفرحة والبهجة من أوسع أبواب بيتنا لتحقق الحلم الذي لطالما أرق كل فرد في العائلة لصعوبة التحديات التي واجهة مسيرته، ولكن وبعد تجاوز كل تحد يأتي تحد أكبر منه، ولكن هنا الفرق، فمرحلة ما قبل اكتسابي المعرفة والقدرة على تجاوز التحديات لا تشبه معرفتي بتجاوزها بعد التخرج، فقد تعلمت أن كلمة المستحيل لا مكان لها في قاموس المهندسين، فصعوبة إيجاد فرصة عمل لم تشكل تحدياً يحول بيني وبين إكمال مشواري المهني، فبدأت بالتدريب عند أحد المكاتب الهندسية ولمدة شهرين، ثم لأنتقل إلى عمل ذاتي خارج نطاق الهندسة بعد انتهاء التدريب، إلى أن برزت شمس ساطعة من خلف جبال التحديات والصعاب، فبولادة وحدة النجاح للخريجين سنة 2005، كان لي الشرف بتقديم طلب توظيف لديهم، ويصلني الرد عندها بوجود عرض عمل من شركة أرابتك في الإمارات العربية المتحدة، والتي هي من أوائل المنظومات المهنية الرائدة والمعاصرة في مجال المقاولات الإنشائية، وأكبر دليل على ذلك تكليف الشركة ببناء برج خليفة أعلى برج في العالم.
وعند التحاقي بالشركة في أوائل العام 2006م، بدأت مشواري المهني في تسخير مؤهلاتي العلمية المكتسبة في خدمة أهداف الشركة وإنجازي لمهامي وفق المسؤوليات المنوطة إلي ضمن فريق عمل نموذجي، تمثل في تنفيذ مشاريع إنشاء فلل سكنية بأعداد تجاوزت المئات بل الآلاف في بعض المشاريع، والتي انعكست نتائجها على الخبرة المكتسبة خلال فترة العمل، ودرجة الثقة التي أولاها الطاقم الإداري إلينا استناداً للولاء والإخلاص الذي طبع فينا، لأتميز بتكليفي باستقطاب مهندسين جدد من جامعة النجاح الوطنية في العام 2008م تجاوز عددهم العشرين.
وفي عام 2009م شاءت قدرة الله لألتحق بعمل في مؤسسة أخرى رائدة، ومنظومة إدارية متكاملة، شرعت في بناء وتطوير إمارة دبي بشكل أبهر العالم أجمع، وهي هيئة الطرق والمواصلات التابعة لحكومة دبي، لأبدأ مشواراً مهنياً أكثر جرأة وتحدياً من خلال تعاملي مع مسئولين ذوي مناصب قيادية على مستوى الإمارة، علاوة على طبيعة المهام الجديدة المتمثلة في الحث على التفكير والإبداع وخلق الأشياء من لا شيء، فعندما تكون في مؤسسة حكومية في دبي بالتحديد، يعني أنك بمثابة جندي مبدع وجد للتفكير والإبداع وإيجاد الحلول والفرص لتكون واقعاً ملموساً، إضافة إلى مساهمتك في بناء بنية تحتية لدولة بأفكار عصرية متطورة، وهو ما وفقني الله فيه حتى الآن.
أما رسالتي للمقبلين على الدراسة الجامعية، ابدأ حياتك الدراسية الجامعية وفق مخطط واضح ودقيق، وليكن طريقك مرسوم ومعروف النهاية، لا تدخل في نفق لا تعرف أين يخرج بك، فسوق العمل أين ما كان لا يتطلب منك إلا أن تكون مخلصاً في عملك، مؤهلاً للقيام بمهامك ومسؤولياتك لأبعد حد، وهذا لا يمكنك أن تكتسبه في أي مكان إلا في جامعتك ومدرستك، ولا تنس نصيبك من التعليم، فالتعلم والمعرفة لا حدود لها ولا إطار زمني لها، وأقول لك: اليوم متاح لك أن تسأل...أما غداً ستكون أنت من تُسأل لتجيب.
وأتوجه بنصيحة خالصة للخريجين الجدد، أنت ستكون أحد عناصر فريق العمل في أي مؤسسة تقبل عليها غداً، فأهم حاجات رب العمل هو الإخلاص والأمانة والولاء من موظفيه، ويليها المعرفة والخبرة التي وإن لم تكن فيك، فالميدان والحياة أكبر مدرسة لتتعلم منها، وما عليك سوى أن تحفز ذاكرتك لتسترجع ما تعلمته ودرسته وتسخره في مسارك المهني، وإن لم تكن المعرفة لديك، فهذا لا يعيبك ولا ينقصك، فسرعة تعلمك واكتسابك الخبرة هي ما يميزك عن من لا يملك المؤهل ذاته لديك، والخبرة لا تقاس بالفترة الزمنية التي ستقضيها، بل بالمقدار المعرفي الذي اكتسبته، أي النوعية لا الكمية.
كما أود الإشارة إلى أن التواصل والاتصال هما من أسباب الاستمرارية في الحياة، فعجلة المعرفة والعلاقات بشتى أنواعها لا تتوقف عند تخرجك من الجامعة، فاحرص كل الحرص على الاستمرار في التواصل مع جامعتك، ومدرسيك، وممن كان لهم الأثر الطيب في مسيرتك العلمية وغيرها، حتى لو بعدت المسافة، فوسائل وتقنيات التواصل اليوم عديدة ومتاحة للجميع.
وأوصيكم خيراً في زملائكم من خلفكم، فالدال على الخير كفاعله، ولا تكن أنانياً، فإن أتيح المجال لكم ووفقتم في عمل ما، فلا تنسوا أن تتذكروا بأن زملاء لكم يتوقون للعمل كما كنتم ووفقتم، فلا تبخلوا عليهم بمد يد العون ومساعدتهم، والباب لذلك مفتوح، فوحدة النجاح للخريجين على أتم الاستعداد للتواصل معكم ومشاركتكم وتقديم الدعم لكم في شتى الأصعدة، ولديهم من الخبرة والكفاءة ما يميزهم عن غيرهم بشكل لا شك فيه.
هذا ما أحببت أن أوجزه لكم من مشوار حياتي الأبرز، ليس لشيء، إلا لمشاركتكم المعرفة والخبرة والدروس المستفادة، فالحياة مدرسة، والأشخاص فيها هم حقول تجارب يضحون ويكدون بما لديهم لإكساب من خلفهم وإيصال الرسالة كما أمرنا بها ربنا ورسولنا، ولا تنسوني من حسن دعائكم، وأختم بقوله تعالى "رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب".
انت من خريجي النجاح، ولديك قصة نجاح، تواصل/ي معنا