بدت أيامي عادية في الجامعة. أجدّ وأجتهد بالدراسة لتحقيق فهم متواضع لهذا العالم، لعل دراستي للبيوتكنولوجي جعلتني أهتم بالتفاصيل وأدقق بجزئيات الامور. من المعتاد بنظام الجامعة أن تكون هناك استراحة عن الدوام اليومي لمدة ساعة والتي نعتبرها من أجمل الأوقات والتي توفر لنا حرية التنقل بين أرجاء الجامعة بين المكتبة والمسجد وحاسوب العلوم ومركز اللغات والتعرف على من أصبحوا لاحقا أصدقاء.
وخلال إحدى محاضرات علم البيئة زارتنا طالبة تشع طموحاً وتبادلت بعض الكلمات مع الدكتور وظهر لنا أن هناك اتفاقاً مسبقاً على دخول القاعة والقاء بعض الكلمات. تحدثت الينا وقالت أنها بصدد انشاء جمعية للبيئة ولمن يرغب بالتطوع تسجيل اسمه على ورقة صغيره فكنت أول المبادرين لأنني بحاجة للمزيد من الاعمال في وقت فراغات الجامعة.
لم اكن اعلم انني اسجل اسمي لأكون أحد مؤسسي جمعية أصدقاء البيئة في جامعة النجاح الوطنية. لم أكن أعلم أن من سجلوا اسماءهم على تلك الورقة سيصبحون أصدقاء الروح والطموح. مضت بنا الايام وانطلقت في الجامعة جمعية شبابية بيئية بجهود طلابية. سمحت لنا الجامعة بتنفيذ الانشطة كيفما نشاء. تنامت وتصاعدت افكارنا وأصبح لدينا أصدقاء من خارج الجامعة يشاركوننا نفس الهدف. اجتمعنا لساعات طوال في مكتبة الجامعة نناقش افكار وخطوات لتنفيذ انشطة طلابية بحتة. فرضنا انفسنا داخل الجامعة مما شجع العديد من التجمعات الطلابية على انشاء جمعيات مشابهة داخل الاقسام والكليات. زادت المنافسة باختلاف الاهتمام وزاد التحمس لتقديم العمل الاكثر تميزاً كما نشأت فرص للتعاون مع الجمعيات الأخرى.
تنقلنا من قاعات الدراسة لقاعات الاجتماعات ووزعنا أدوارنا الادارية. كنا نغطي تكاليف الجمعية من مصروفنا الشخصي إلا أننا كنا نشعر أن لدينا اموالاً طائلة فكنا ندوّن مصاريف الشيكل والعشرة شواكل في دفتر خاص. قصة نشأت بعقولنا وطبقناها على أرض الواقع وكأنها مدينة افلاطون الفاضلة بقوانينا الخاصة. يتتابع المتطوعون على هذه الجمعية الى اليوم ولنا الفخر جميعاً انها لا زالت قائمة.
جامعتي ليست كتباً ومقاعد وقاعات دراسية فقط. بل مكاناً يحتضن الفكر المحلق عالياً. صحيح أن الامر ليس سهلا لكن مع قليل من العناء والكثير من الاصرار فهمنا التسلسل الاداري وكيفة رفع الكتب وكيفية إقناع الآخرين بفكرتنا للسماح بتنفيذها.
تعرفت على برنامج زاجل للتبادل الشبابي الدولي وتدربت فيه من خلال دورة آليات تنظيم الحدث وكيفية تنظيم أي نشاط من الالف الى الياء. أذكر النصائح التي وجهها لنا منسقو برنامج زاجل عن أهمية ضمان الاستمرارية في الجمعية وذلك كي لا تكون موسماً طلابياً ينتهي بتخرج الطلبة. أكملنا النقاش حول أهدافنا وانصرفنا. كانت تلك الملاحظات من أكبر الدوافع للتحدي الرائع. زاد اهتمامنا بالاستفادة من كل ما ينظمه برنامج زاجل من دورات في مجال العلاقات العامة وأصول التعامل مع المؤسسات وتنظيم الفعاليات والمناسبات. لا تحتاج لأكثر من زيارة واحدة لبرنامج زاجل بدائرة العلاقات العامة حتى يتم تشجيعك على التطوع في مجال يتناسب مع اهتماماتك. أصبحنا اسماً في الجسم الطلابي في الجامعة وأصبحت من الناشطين فيها.
صقلت شخصيتي وزاد شعوري بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار فتجربة السكن الجامعي كان لها الدور الابرز في هذا المجال وتقبل الآخر واحترام الاختلاف وانتقاء الكلمات بالخطاب كلها مهارات ومفاتيح للحياة ما بعد الجامعة والتهيؤ لسوق العمل.
كبرت جمعية أصدقاء البيئة ونمت شخصيتي وشخصيات الاصدقاء معها. معارف وأنشطة وانجازات وأفكار كثيرة. ترأست الجمعية لسنة واحدة ونفذت خلالها 40 نشاطاً. انشغلت خلال تلك الفترة عن زاجل وأنشطته الى أن وصلتني رسالة تقول أن هناك دورة لإعداد كادر لتنظيم المخيمات الدولية فبادرت حينها للتسجيل وكان أحد محاور هذه الدورة هو كيف تستقبل ضيفاً دولياً في مدينة نابلس والتنقل بين مواقعها الاثرية ومصانعها ومختلف ملامحها التاريخية مما زاد ارتباطي بهذه المدينة التي تحتل حيزاً كبيراً من ذكرياتي.
هذه رؤوس أقلام أو محطات من حكايتي مع نابلس وجمعية أصدقاء البيئة وبرنامج زاجل والسبب وراء هذه الاهتمامات هي جامعة النجاح الوطنية. كانت سنواتي فيها من أجمل أيام حياتي الى حد يدفعني لوصفها بالعصر الذهبي في حياتي حيث لمع اسمي خلالها ولمع فؤادي بالعلم. فالعلم ليس ما وجد بالكتب فقط وإنما هو خلاصه التجارب والانجازات في هذه الحياة.