بدأت رحلتي من جامعة النجاح الوطنية قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ومن ثم شاء القدر لأعود إليها كمبعوث بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود في الولايات المتحدة الأمريكية.
بقلم: د. محمود سليمان
لقد حالفني الحظ أن أكون من مبعوثي منحة الفولبرايت (Fulbright) خلال العام الدراسي 2016\2017 إلى جامعة النجاح الوطنية، حيث أكملت سنة ممتعة وبناءة قمت خلالها في العمل كمحاضر وباحث في كلية العلوم التربوية وإعداد المعلمين.
وضمن هذا البرنامج التبادلي حول الشؤون الأكاديمية والثقافية بين الولايات المتحدة والجامعات الفلسطينية، أتيحت لي الفرصة أن أعمل مع الهيئة التدريسية والتربوية، حيث تطمح المؤسسة لتحقيق أعلى مستوى من الجودة والتميز.
وخلال إقامتي الدراسية،عملت مع عدد من الزملاء في الكلية والجامعة في نطاق التدريس والبحث وفي مجالات إعداد المعلمين وتطوير المناهج ومعايير الجودة وتحسين المخرجات التعليمية و التعلمية بشكل عام، وذلك في ضوء رؤية الجامعة ووزارة التربية والتعليم.
لقد كان لي الشرف أن أعمل بشكل وثيق مع عميدة الكلية الدكتورة علياء العسالي التي تلعب دوراً قيادياً وفعالاً في نهوض العملية التربوية في الجامعة بشكل خاص وفي فلسطين بشكل عام, حيث عملنا سوياً مع العديد من أعضاء الهيئة التدريسية في الكلية والجامعة على مشاريع مشتركة منها إعادة هيكلة المساقات وخلق مصفوفات مربوطة بالمعايير الحكومية والعالمية المتعلقة بجودة إعداد المعلمين لتعزيز معرفتهم ومهاراتهم على أحسن وجه، وذلك ليكون لهم دور مهم في تحسين المحصلة التعليمية والتعلمية في المدارس التي سيعملون بها.
ومن الجدير بالذكر أن العملية التربوية الفلسطينية تسير في التجاه الصحيح رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة والمعقدة التي تعيشها المؤسسات التربوية والاجتماعية بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام, ورغم التحديات العديدة، إلا أن هناك طاقة جبارة وعزيمة صلبة للنهوض بالعملية التربوية التي يراها الجميع استثماراً أساسياً للتعليم وتربية الأجيال القادمة وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين ذوي رؤية عالمية, ولقد تبين لي أن هناك تربة خصبة للاستثمار البشري من خلال التعليم الفعال للأجيال الناشئة من أفراد الشعب الفلسطيني الذي يتميز بالانفتاح, والمرونة, والتسامح, والذكاء, وحب الحياة, والأمل الدؤوب لتحقيق آماله وطموحاته ليعيش بسلام وأمن كما تعيش الشعوب والأمم المتحضرة.
ومن المهم الإشارة إلى أن لدي جذور عميقة في هذا البلد، حيث أنني ولدت في مدينة نابلس وترعرعت فيها وتلقيت تعليمي الأساسي هنا وأكملت درجة البكالوريوس من جامعة النجاح الوطنية قبل سفري للولايات المتحدة الأمريكية لتحصيل درجتي الماجستير والدكتوراه, هذا وإنه ليسعدني كفلسطيني أمريكي أن هذه البعثة الدراسية أتاحت لي الفرصة لخدمة الوطن من خلال برنامج التبادل الأكاديمي والثقافي بين الولايات المتحدة وفلسطين والعمل في جامعة النجاح الوطنية لسنة في كلية العلوم التربوية وإعداد المعلمين .
ومن خلال تفاعلي على مدار العام الدراسي مع طلابي وزملائي وأفراد المجتمع, لمست روح الإنسانية العالمية التي لا تختلف كثيراً عن تلك التي رأيتها في الولايات المتحدة والشعب الأمريكي, حيث أن الشعب الفلسطيني متميز بحبه للحرية, والعيش الكريم, والتعايش مع الغير ضمن الاحترام المتبادل, كما يتميز الشعب الفلسطيني بالتعددية, والقيم العالمية, والأخلاق العالية, وتقدير مكانة التعليم والتعلم كمكون أساسي للبقاء والرخاء, وأن هناك غنىً وفيراً في الحضارة والثقافة بسبب المكانة التي يتمتع بها هذا البلد من موقع استراتيجي وتاريخ عريق تربطه بمعظم شعوب العالم ودياناتها وحضاراتها ناهيك عن جمال الطبيعة والتنوع الجغرافي والمناخي المتزن والذي يستقطب الناس من جميع أنحاء العالم.
لقد مرَ العام الدراسي سريعاَ ولكن ذكرياته ستخلد في ذهني وروحي لما لمسته من لطف وعطف ممَن تفاعلت معهم في كل المجالات والمؤسسات, وسأعمل جاهداً على تواصل التعاون والشراكة مع جامعة النجاح وجامعة كاليفورنيا التي أعمل بها وبناء علاقات دائمة بين جامعة النجاح والجامعات الأمريكية، وذلك لتعزيز روح التبادل الأكاديمي والثقافي لما في ذلك من فوائد جمة ومشتركة للمؤسسات التعليمية وأفرادها في البلدين.
ولا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر لمن ساهم في إعطائي الفرصة من خلال برنامج الفولبرايت (Fulbright) في الخارجية الأمريكية وأخص بالذكر هيئة العاملين في القنصلية الأمريكية في القدس لجهودهم في تعزيز الشراكة بين الشعب الفلسطيني والأمريكي من خلال برنامج التبادل الأكاديمي والثقافي.
كما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكلية العلوم التربوية وإعداد المعلمين وجامعة النجاح الوطنية التي استضافتني لأمضي سنة بناءة لها أثر عميق في حياتي الشخصية والمهنية والأكاديمية راجياً لهم التوفيق والتقدم في المسيرة العلمية والتربوية.