كانت رغبتي منذ الطفولة بأن أصبح جراحاً وأن أدرس الطب في فرنسا فخضت غمار التوجيهي العلمي وحصلت على نتيجة 95.5%، وبعد ذلك التحقت بالمعهد الفرنسي في مدينة نابلس لاتعلم اللغة الفرنسية لعدة شهور، وقبل السفر بفترة وجيزة اختلفت نظرتي للامور؛ فقد تبين لي أن أزمة العائلة المالية ستسمر لفترة لا باس بها مما دفعني لاختيار تخصص ما في إحدى الجامعات المحلية.
وفي غضون تلك الفترة تعمقت بالبحث عن تخصص مناسب من خلال الانترنت فلفت انتباهي تخصص المحاسبة، فبدأت أبحث عن هذا التخصص الذي أجهل عنه الكثير، ولكن الشهادات المهنية المرموقة في هذا التخصص والعديد من التفرعات المميزة كانت كفيلة بأن تغير وجهة نظري باختيار هذا التخصص، لم ألق بالا للنظرة المجتمعية التي تفضل التخصصات العلمية كالطب والهندسة على حساب التخصصات الاخرى.
التحقت بكوكبة من الطلبة الرائعين (دفعة 113 تخصص محاسبة) في الفصل الثاني من العام الدراسي، وظهر لي عدم قناعة أهلي ومعلمي المدرسة باختياري لهذا التخصص، لكنني أخذت على عاتقي بأن أبرهن لهم أن النجاح مرهون بالشخص نفسه وليس بالتخصص، وأن هناك فسحة للابداع في كل التخصصات، ومن هنا أيقنت بأن الخيرة فيما اختاره الله؛ لاني وجدت تخصص المحاسبة مناسباً ومليئاً بفرص التطور .
ومع بداية الدراسة وفي ظل عدم وجود ثقافة عامة لدي في مجال العلوم المالية والادارية كطلاب التوجيهي التجاري، انطلقت في رحاب الكتب والانترنت لبناء أرضيةٍ معرفيةٍ صلبة في هذا التخصص، وكذلك واجهت صعوبة في تنظيم الوقت مع وجود عدد ساعات كبير في الفصل الواحد (18-21ساعة)، والتحاقي بدورات متعددة التي كنت اعتبرها استثماراً في ذاتي منذ الفصل الاول بالجامعة والتي حرصت على تلقيها طيلة فترة دراستي الجامعية.
ومن أعظم الفوائد التي كسبتها خلال دراستي الجامعية كسب محبة العديد من الزملاء من خلال التعاون الأكاديمي والاجتماعي، ووصولاَ لتوطيد العلاقات مع العديد من المحاضرين وتوسيع أفق علاقاتي العامة بالعديد من المؤسسات وكل هذا يشكل رصيداً في بناء حياة مهنية وعلمية هادفة.
فمن تجربتي الجامعية اقدم لكم بعض النصائح والتي منها قبل التخرج ومنها بعده :
قبل التخرج:
- اليقين التام بأن النجاح مرهون برضا الله والوالدين فالسعي لذلك هو قبلة النجاح، وكذلك إيمانك بذاتك وقدراتك وصبرك وسعيك الدؤوب يشكل وقودأ لنجاحك الذي لا ينفذ وللحرص على تنظيم الوقت أهمية كبيرة فهو العصب الرئيس للحصول على أفضل النتائج، وذلك بانجاز الاهم دائماً ثم الاقل أهمية. ضع لنفسك استراتيجية واضحة (اهداف وخطط لتنفيذها) في كل مرحلة من حياتك.
- الحرص على تقسيم اليوم الى أجزاء بما يتناسب مع حياتك الشخصية وكافئ نفسك بعد انجاز كل جزء من كتابك الدراسي بشيء تحبه وتشعر أنه ممتع لذاتك كي تعتاد روحك على العطاء. ومن الجميل أيضا أن تنثر رحيق ما تملك بمساعدة زملائك في الجامعة قدر المستطاع؛ فنجاحهم جزء من نجاحك فحديقة أزهار أجمل من زهرة واحدة وقدم للآخرين دون مقابل، فما أجمل جزاء الله وعطاءه.
- مع بداية حياتك الجامعية إحرص على تطوير شخصيتك واللغة الانجليزية لديك، وكذلك تعزيز الثقافة العامة حول تخصصك خارج اطار الكتب الجامعية من خلال الانترنت والمشاركة بالندوات والمؤتمرات والقيام بالانشطة اللامنهجية وانت على مقاعد الدراسة ؛ فهذه مفاتيح النجاح في المقابلة بعد التخرج وفي سوق العمل.
- ليس المهم أن تتخرج بوقت قياسي وتسابق الزمن، ولكن المهم أن تتخرج بمعدل يؤهلك للانخراط بسوق العمل وكذلك مع البدء بالحصول على شهادات مهنية وتطوير شخصية معززة باللغة الانجليزية .
- ما هي طبيعة دراستي؟ كانت دراستي بمعدل يومي 3-2 ساعات وتكون اكثر من ذلك في اوقات الامتحانات، وذلك بالتركيز على كتبي الجامعية وتصفح بعض المواقع الالكترونية ذات العلاقة، كنت أعتمد على نظام 65 دقيقة (ضبط منبه الجوال لمدة 65 د ) بداية بقراءة العناوين الرئيسية وفهمها 5 د وقراءة المحتوى 50 د والمراجعة 10 د، وبعد ذلك أحصل على استراحة لمدة مناسبة والترفيه والراحة جزء من حياتي، فأجمل الاوقات كنت اقضيها مع اصدقائي في الجامعة وأماكن التنزه ومع عائلتي كذلك.
بعد التخرج:
- مهما كانت ظروفك ومهما كانت المعيقات، هنالك طريقة للنجاح والتميز، فانت معجزة ذاتك، فاصنع نجاحك من رماد المستحيل ومن مرارة الظروف فكن كالعنقاء تنهض دائماً من جديد، فلا تيأس من أي شيء سعيت له ولم تنله؛ فقضاء الله وقدره الافضل دائماً. وكذلك لا تعلق أهدافك على شخص ولا تضع كل ثقتك به ولا تجعل كامل اهتمامك في جانب معين من حياتك وتعلم كيف تقف وتواجه لوحدك في مضمار الحياة.
- احتفظ بكتبك ودفاتر ملاحظاتك التي تتمحور حول تخصصك؛ ستحتاجها في المستقبل، وكذلك ما تتعلمه هو موجود بسوق العمل وشماعة الفجوة مبالغ فيها وهذا ما لاحظته خلال التدريب العملي. ولا تضع بحسبانك الامور المادية في بدايات حياتك العملية؛ بل افضل شيء في تلك الفترة هو اكتساب الخبرة وتطوير الذات وإستغلال أي وظيفة بالكسب الحلال حتى تصل لمرادك.
- نفسك عالم جميل حاول أن تكتشفه فكل واحد منا زرع الله فيه بذرتي الارادة والابداع، فما عليك سوى أن تنمي الاولى وتعثر على الثانية في اعماقك. ولا تستعجل على حصاد نتاج زرعك، حاول مرة تلو الاخرى فاذا فشلت في جانب معين تعلم من أخطائك وانطلق فالفشل احد حلقات النجاح، وكتجربة شخصية عندما رغبت في الحصول على رخصة قيادة اخفقت مرتين ولكن في المرة الثالثة حصلت عليها.
- في الختام لدي ايمان بكل ابناء شعبنا وانا موقن بأن هنالك اشخاصاً عاشوا ظروفاً صعبة وقدموا افضل مني بكثير ومما لا شك فيه بأن وطننا فلسطين بحاجة لان ينهض به الجيل الشاب؛ فالتعمير يحتاج لتعاون الجميع وتفضيل البقاء في وطننا حتى ينعم بالحرية وتشرق عليه شمس المجد والحضارة .أشكر الله أولاً ثم أهلي وأحبتي وأصدقائي ومحاضري جامعتي الذين ساندوني خلال سنوات الدراسة.